تقترب الكاميرا من أحد الشبابيك المفتوحة
غرفة مظلمة إلا من بصيص من النور يأتي من باب نصف مغلق
رغم أنها اعتادت على هدير السيارات العابرة إلا أنه الآن بات يزعجها جداً..
تتراقص جزيئات الهواء من حولها مخرجة لسانها و هي تقول باستفزاز : تنفسي و بعمق ولكنك لن تشعري براحة التنفس.
تشعر باختناق .. اختناق روحي غير هذا الذي نشعر به عند نقص الهواء( له نفس الصفات باختلاف طفيف)
تقترب الكاميرا من وجهها .. ملامحه باهته ولكن تظهر عيناها متورمة و الوسادة من تحت رأسها مبلله..
تخبرها عينها بوقاحة : أنتِ تستحقين ذلك .. ربما أكثر منه قليلاً .. لن تنعمي أبداً بالراحة..
أمسكت برأسها بشدة .. فتحت فمها محاولة أن تصرخ ... راحت تحرك رأسها بسرعة يميناً و يساراً .. كانت تحاول اخراج تلك الاصوات جميعاً من رأسها...
نفضت عنها غطائها في عصبية.. ارتدت خفها و مضت باتجاة الباب...
أغلقت على نفسها الحمام... شرعت في غسل وجهها...
تنظر بحدة إلى المرآة... عيناها شديدة الاحمرار... تكاد تتمزق فيهما العروق من شدة احتقانها...
لفت انتباهها شفرة حلاقة كانت موضوعة على الرف...
الكاميرا تلحظ نظرة عينيها و تجمع بينها و بين صورة الشفرة ..
التقطتها فجأة بعد أن حدقت بها....
قبضت يدها عليها ... قربتها من وريدها ..
تتسارع انفاسها كلما اقتربت من يدها اليسرى ...
كثير من الألم...
صوت داخلي .. افعليها. . ( صوت دقات الساعة بدا عالياً)
افعليها.. ( يعلو تدريجياً)
افعليها..(صوت مزعج)
زادت من شدة قبضتها على الشفرة و قربتها أكثر من يدها
لامستها
ألقت بها بفزع تجاه الحائط...
تتبع الكاميرا صوت الشفرة وتعظمه...
سالت دموعها كشلال لا يتوقف.. ولكن بلا صوت...
ضربت بقبضة يدها على الحوض مرة...
آلمها ذلك...
ضربت مرة أخرى ولكن أكثر قوة...
شخصت بعينيها و قضبت فمها و بدأت تضرب ضربات متسارعة اكثر قوة...
أحست أن صوت ضرباتها بات عالياً...
خافت أن يلحظ الصوت أحداً من أهلها... نظرت إلى يديها المحتقنة بالدماء ...
اقتربت منها الكاميرا
في نظرتها لمحة من التشفي
تظهر بقعة حمراء مائلة للبنفسجي على يدها..
خرجت من الحمام ببطء و كأنها تجر شيئاً ثقيلاً من خلفها...
مضت بإتجاة الصالة.
خلعت خفها و وقفت بقدميها الدافئتين على الأرض شديدة البرودة...
شعرت بقشعريرة سرت في جسدها...
بدأ تأثيرها يزول تدريجياً...
ضغطت على أضراسها بتشنج.. و أكملت طريقها حافية القدمين ناحية البلكونة...
اقتربت منها
وقفت أمامها ثم أمسكت بضلفتيها فاتحة إياهما سوياً...عن آخرهما..
اغمضت عينيها و استقبلت الهواء البارد بصدرها المغطى برداء للنوم قطني خفيف...
تمتمت : أنا أشعر بألم البرد .. إذاً فما يعتصر روحي ليس ألماً عظيماً..
فتحت عينيها و هي ترتجف..
اطالت النظر إلي الطريق... تابعت السيارات بلا متابعة و حركة الأشجار بلا انتباه...
حركت رأسها ببطء لأعلى...
ظللت تتمتم بأدعيه إلى الله..
على ضوء القمر ظهرت دموعها الجارية بسرعة لتسقط على ثوبها..
و ظهرت يديها المنقبضة على اللاشيء...
بعد أن أنهت دعائها.. أخرجت من صدرها ارتجافة البكاء ..
كاد صوت بكائها يعلو.. فجزت على اضراسها و اشاحت برأسها سريعاً...
أغلقت الشرفة... عادت أدراجها ...
رفعت أحد حاجبيها ... التفتت بشدة ناحية الشرفة..
لم أكن أشعر بالبرد
واجهت تلك الجملة في رأسها بكثير من الدهشة التي بدأت تتلاشى تدريجياً و هي تبحث عن ثوب الصلاة..
صلت...
ارتاحت قليلاً..
اتجهت إلى غرفة نومها...
بصيص النور المخترق للغرفة و هي مغلقة عينيها يؤرقها ثانية...
دقات الساعة
هدير السيارات
بدأت عضلات وجنتها اليسرى تنقبض و تنبسط بسرعة...
أنا أستحق الألم
أستحق المزيد من الألم
أتمنى من الله أن يأخذ من ألم من آلمته و يزيد ما بي من ألم
أتمنى أن يهون على من آلمته و يقحمني به أكثر...
أحتاج أن أتألم..
لابد من أن أتألم
راحت تردد تلك الكلمات بهمس غير مفهوم...
تابعتها الكاميرا حتى راحت في النوم..
عادت من حيث أتت..
حيث العمائر الطويلة..
هدير السيارات..
ضوء القمر..
ارتفع فجأة صوت دقات الساعة...
شاشة سوداء..
صوت دقات الساعة..
( للقصة بقية)