وقفت ممسكةً بدلاية سلسلتها الذهبية لوناً فقط - تماماً مثل مظهرها - وهي تمضغ العلكة
كانت مستندة بظهرها على ذلك الجدار الحجري القديم..
تهيمن على الشارع مسحة من ضوء برتقالي لا يكاد يخفي ظلامه..
يحتويها الظلام .. بل هي منغمسة به .. لا تعلم في أي ظلام هي :ظلام نفسها الذي يعتصر خلاياها أم ظلام العالم من حولها الذي لا يكاد يسترها.
لا تعلم إن كان يواسيها أم يحضها على استكمال طريقها المظلم...
- تعالي يا قطة ؟-
ذهبت إليه و في عقلها ألف علامة استفهام خلف سؤال لا يفكرعقلها في سواه
قالت في ميوعة مصطنعة بركاكة : 200؟
- لية مورلين مورنو؟!!!
نظرت إليه بقرف و هي تقول كعلامة لإنتهاء الحوار : يفتح الله
ذهبت بخطواتِ متمايلة مبتعدة عنه
و استندت مرة اخري الي الجدار , مرت الدقائق عليها كساعات ,
كلما حاولت علامة حزن أن تقترب من عضلات وجهها واجهتها بضحكة عالية ، طرقعة لبان أو غمزة من عينيها لأي شخص تشعر أنه قد يكون زبون جيد.
اقترب منها آخر
كانت تبدو عليه علامات الغني و الترف
دار بعقلها : ليه يعني يفكر في بنت ليل لما فيه بكارا ياما يتمنوه يأشر لهم بس.
يسيب الحرير و يدور على الساتان !!
قال: يلا بينا !
قالت : 200؟!
قال : ماشي ماشي يلا بقة
انتشلها من الظلام الي سيارة فارهة لا سقف لها.
ظللت تفرك في السيارة و تقف ثم تجلس
تجيء يمينا ثم يساراً..
لم تركب سيارة مثلها من قبل...
وقفت فاتحة ذراعيها لتقابل الهواء ...
صرخت بأعلى صوتها في سعادة...
و انطلق هو سريعاً الي مكان لم تعلم وجهته.
طال الطريق
و طال الصمت
هوه انت بتشتغل اية؟
مصور
بتصور اية؟؟
بصور اي حاجة
اي حاجة زي اية؟؟
زيك مثلاً
نظرت الي نفسها وقالت :يا سلام ... يعني الحاجات دية بتكسب؟
ها ها ها ها ها ها ها ها هاااااااااااااا , متهمينيش حكاية المكسب و الخسارة دية
اومال بتصرف علي نفسك ازاي؟؟؟؟
بال كريديت كارد
كبريت الورد يعني اية دة ياخويا
نظر إليها و ابتسم ابتسامة ملائكية ثم قال : ليا فلوس في البنك يعني
دي جتلك منين بقة ؟
والدي
آآآآآآآآآآآآآآآه .... .... طيب
استمر الصمت بعدها طويلا
راودها النعاس وداعبها الهواء فزاد احساسها بالرغبة في النوم فنامت
لم تصح إلا على حرقة الشمس لرقبتها المشوهة بعلامة لجرح غائر منذ زمن بعيد...
قامت من مرقدها بصعوبة بالغة و كأنها لم تنم منذ أشهر عديدة
تلفتت حولها , فاذا هي في مكان تكسوه الخضرة و تداعبه السماء بلونها الفاتح المتشح بالبياض المرسوم بدقة عليها ..
سمعت صوتاً كهدير الموج في اذنيها
اغلقت عينيها فتذكرت امها...
سرحت : مسكينة يأما ... متعرفيش اللي بنتك بتعمله ... بس أعمل إيه الدنيا بقت صعبة و العيشة أصعب ..و أخاف عليكي ليجرالك حاجة لو عرفتي أنا بشتغل إيه..
سمحت لدمعة تسقط منها بعد أن شعرت أنها وحدها في المكان
و إذا بصوت من امامها يقول: ياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه
انزعجت و : تف تف تف فزعتني يا شيـــــخ
نظر إليها مبتسما فتسائلت : ياة اية ؟؟
اصلي واقف قدامك بقالي يجي خمس دقايق
المهم
تعالي يلا عشان هصورك كام صورة
جذبها من يدها الهزيلة المحاطة بالكثير من الأساور البلاستيكية و النحاس المطلي بالذهب
أخذها إلي غرفة مظلمة..
بعد أن اعتادت عينها على الظلام تبينت شارعاً كالذي كانت تقف فيه ...
طلب منها أن تبدو على سجيتها ...
و بدأ يصورها من عدة اتجاهات...
تشك تشك تشك
حلوة كدة
كويس قوي
خليكي طبيعية
أثارت كلمته هذه في نفسها شيء ما
دار بعقلها:... خليني طبيعية؟؟؟ ازاي اخليني طبيعية؟؟؟
كدة تمام قوي
هوه انا مولودة بنت ليل؟؟؟ ...
انحبست الدموع في عينيها
أيوة خليكي ثابته كدة ...
أنا مش طبيعتي إني بنت ليل
آخر تمام
صرخت فيه فجأة : بس أنا كدة مش طبيعية .
توقف عن التصوير ثم قال في ثقة : منا عارف..
أنا عايزك طبيعية
سألته بحدة : هوه فين الحمام ؟؟
أجاب و على وجهه ابتسامة :هناك على الشمال ..
وقفت أمام المرآة بعد أن فتحت الصنبور على آخره
شخصت أمام صورتها الملونة
مسحت ما قد لطخت به وجهها من مساحييق..
عقصت شعرها كذيل الحصان وراء ظهرها ..
أغلقت أزرار قميصها
خرجت إليه
قالت في حياء و قد احمر وجهها و هي تشير بإبهامها إلى صدرها :أنا ديه
بدأ يلتقط لها الصور و هي تتخذ كل الاوضاع التي تريدها في حديقة الشالية ...
ثم قال:بس كدة
ادي يا سيدتي ال 200 جينية و عليهم 70 جينية حق رجوعك للقاهرة
اخذت النقود و انطلقت
جلست في الناقلة واستندت برأسها علي النافذة..
و تذكرت اختها التي أقامت عند والدتها مؤخراً هي وأولادها لتزيد من الأعباء و المصاريف التي لا يحتملها المعاش الذي تقبضه والدتها أول كل شهر. ذلك لأن زوجها قرر فجأة أن يتركها.
تذاكر يا آنسة
شعرت فجأة بالبرد ... تشبثت بملابسها و حوطت نفسها بها أكثر
هاه ........, اتفضل
عادت لسرحانها
تابعت الصحراء التي لا تتغير كثبانها
لاااااااااااااا سيبني سيبني
الحقونيييييييي
يا ماما
يا ماما
حد ينجدني يا ناس
مفيش حد هيرد عليكي , كلهم خرجوا
أرجوك ... دنا بعاملك زي أخويا الكبير
حرام عليك...
حرام عليك...
ههههههههههههههههههههههههههههه
لااااااااااااااااااااااااااااااا
هوه شيعال يبخه ابلس محطة
انتفضت و هي تنظر إليه بهلع :هاه
هوه ناقص كام وقت عشان يوصل للمحطة
عدلت من جلستها و تنحنحت قليلاً : آه مش عارفة
سقطت منها الجريدة فدفعت جسدها للأسفل لتحضرها
للأسف مش هنقدر نثبت حاجة
يعني خلاص ضاع حقي
احنا هنفضل ورا القضية يمكن نجيب تعويض
انا مش عايزة منه حاجة أنا عايزاة يروح السجن , يروح السجن , ولا يتعدم ...
بس يا حبيبتي : انا الغلطانة اني سيبتك معاه
اهيء اهيء اهيء اهيء اهيء
تفوهت بكلمات مسموعة : ما خلاص يا أما.. كل شيء راح
وصلنا يا انسة
نظرة شاردة
خطوات شاردة إلى خارج الحافلة
طريق مليء بالضباب في وضح النهار
.......................................
حكوك الطبع و النشل محفوسة لنعكوشة