نـعـكـشـة

شوية كلام والسلام..مليش دعوةلوبعدما قريته قلت انك ضيعت وقتك..اقرأعلى مسؤليتك الخاصة

لحظات من العمر ( من لي؟! )

مش عارفة أنا جبت صحة منين أكتب كل البتاعة دية
طويلة شوية


فتحت نافذتها الخشبية على مصراعيها لتسمح للشمس بالدخول.. لكن كان الوقت لازال باكراً و لم يحن موعد مجيء الشمس بعد ...
بدأت ترسل الشمس نوراً برتقالياً خفيفاً يرسم علي الحائط أشكالاً لفتحات علي شباكها الخشبي... تلونت الغرفة بألوانها التي كانت غير واضحة...
وقفت أمام النافذة و عينيها تنظر إلى السماء .. ابتسمت و أخذت نفساً عميقاً محملاً بالأكسجين الخارج من الحديقة الجانبية لمسكنها...
انطلقت لتتوضأ و لتعد لنفسها فطوراً يجعلها صامدة في يومها الطويل المرهق...
لم تطل التفكير فيما سترتدي فلم تكن تمتلك إلا ثلاثة أطقم تبدل بينهم... شربت الشاي بالنعناع الذي تعودت عليه منذ شبت ...
انطلقت إلى الخارج ... لوحت لصاحب عربة الفول و صبحت عليه هو و السيدة التي تبيع الخضرة فقد اعتادا على أن يبدءا عملهما باكراً ..
ترجلت إلي موقف الأتوبيسات... سلمت على ناظر المحطة و بائعة الذرة و قامت بشراء العسلية من بائعة الحلوى ذات السنوات السبعون.. دعت لها و هيا تصعد إلي الحافلة ...
لم تكن الحافلة ممتلئة تماما... جلست بجانب النافذة .. سرحت .. لم تدري كم الوقت مضى و لكنها أحست فجأة بزئير موتور الحافلة معلناً بدء الانطلاق.. تلفتت حولها وجدت الحافلة ممتلئة بالراكبين .....

ما أن انطلقت الحافلة دعت دعاء الركب و أخرجت رأسها من النافذة لتتابع وجوه المارة ...و تحدد لكل شخص منهم وظيفة و حاله في الحياة من تعبيرات وجهه و القسمات التي تركها الزمن علي جبينه....
نزلت من الحافلة و انطلقت إلي مقر عملها ... كان يوماً مثل كل الأيام .. سلمت علي الحارسين و موظفين الاستقبال ... صعدت السلالم بخفة و لكن فجأة ...
باغتها ألمٌ كانت قد اعتادت عليه في صدرها .... لكنه استمر... و ازداد ضغطاً عليها ... يعتصرها .. وقفت ... لم تستطع الصراخ طلباً للمساعدة ...جلست علي السلالم و هي واضعة يدها علي صدرها ... تقوست علي نفسها ... بدأت ترتعش ... تصبب العرق منها ... أحست بدنو الموت .. لا أحد في الجوار ليلحق بها ... هلا ساعدني أحد قالتها بصوت واهن ... تذكرت المرات الماضية التي باغتها ذاك الألم و لم تلق له بالاً لكنه اليوم شديد لا تستطيع احتماله ... أصبح الوقت طويلاً ... يمر الوقت و هيا تحس انه موعدها ... قالت الشهادتين بتقطع ... أحست و كأنها في فقاعة من الألم تعزلها عن العالم الخارجي ... فقاعة تطفو بها للأعلى ... استسلمت له ...
ما بك يا آنسه أمل .. أخرجها من انعزالها هذا الصوت ... نظرت إليه بعينين زائغتين ...قالت في نفسها .. إنجدني ... صاح منادياً أحد العاملين ... أحضر كوباً من الليمون للآنسة أمل ... " ما بال هذا الرجل .. هل انت مجنون .. احتاج إلي طبيب لا إلي عصير " بدأ الناس يتوافدون عليها ... ارتفعت الهمسات .. ما بها ...يبدو انها متعبة ... أحدُ ما يحضر لها مقعداً ... تجمع الموظفون ... نقص حاد في الهواء .. أحست أنها لا تستطيع أن تتنفس ... " ما بالكم فليأت أحدٌ بطبيب و لتبتعدوا عني .. أكاد أختنق" ... يا ليتهم يستطيعون قراءة الأفكار ...بدأت تغيب عن الوعي ... " فليأت أحد بسيارة الإسعاف" ...لا شيء يحدث ... فقط كل من يمر بالتجمع يأت ليشاهد و يهمس ...
قالت إحداهن دعوني أساعدها ... فتحت زجاجة عطر و قربته من أنفها ... ترفت عينيها و ازداد الألم ... قامت الأخرى بحل ايشاربها منها ... صرخت بداخلها " ماذا تفعلين يا مجنونة " أمسكت بشدة ايشاربها كي لا تسقطه تلك المرأة ...ارتخت يديها و هي تقاوم فقدانها للوعي
صرخ أحدهم : فليتصل أحد بسيارة الإسعاف ... ما أن سمعت ذلك حتى أحست بقليل من الاطمئنان ...

أفاقت ... بدأت تنظر حولها ... غرفة بيضاء ... أنابيب ملتصقة بيدها.. .دخلت عليها الممرضة ..سألتها بوهن : أين أنا ...قالت لها أنها بالمستشفى التابع للشركة وأنها كادت تُفقد جراء ما أصاب قلبها .. و أخبرتها أن كل المصاريف مدفوعة من قبل الشركة ...
مرت عدة أيام ... استعادت عافيتها مجدداً .. أملى عليها الطبيب بعض الإرشادات ..
خرجت وحدها من المشفى ..
وصلت إلى منطقتها...
كانت تمضي بخطوات بطيئة...
كانت محدودة في تعاملاتها برغم كثرة تعاملاتها مع البشر...
لم تكن تتعدى علاقاتها بالناس أكثر من السلام و التحيات...
هناك خلل ما في علاقاتها بالعالم الذي تعيش فيه..
فتحت باب شقتها..
لازالت النافذة مفتوحة ...
كوب الشاي الفارغ في مكانه علي حافة المنضدة...
أخذت نفساً عميقاً حزينا محمل بكل ما تحمله من أحاسيس...
أيقنت من حقيقة كانت تراودها عن نفسها ...
تحققت نبوءة أخبرتها زميلة لها قديماً ... أنتِ طيبة ولكن يجب أن تسألي عن أصدقائك أكثر من ذلك و إلا فسيأتي يوما لا تجدي فيه أحداً بجانبك ...
لم تستطع أن تغير من نفسها منذ ذلك الوقت...
علمت انه بعد وفاة والدتها لم يعد لها أحداً في هذه الدنيا...
ستظل هكذا وحيدة...
إلي الأبد...
أغمضت عينيها ...
طرقات على الباب...
خرجت من فقاعتها ...
فتحت الباب ...إنهم بائعة الخضرة و صاحب عربة الفول و بائعة الحلوى و بائعة الذرة و ناظر المحطة ..
اقتربت منها تلك السيدة العجوز بحذر ... قدمت لها العسلية ... ابتسمت بشدة .. أمسكت يدها التي يغطيها النمش البني و التجاعيد الجلدية الرقيقة ...احتضنتها الفتاة فبادلتها العجوز الاحتضان .. سرت في نفسها موجة من الاطمئنان.. أخبرتها أنها لم تأخذ عسلية اليوم فجاءت بنفسها لتقدمها لها...
ضحكوا جميعاً ... مكثوا معها قليلاً للاطمئنان على حالها.. و خرجوا ليمضي كل منهم في طريقه...
و تركوها وحدها تعيد حساباتها و أفكارها ... قد كان ما تظن أن فعلها إياه لا شيء و لكنه كان عند البعض أكثر من مجرد شيء....

................................
حكوك الطبع و النشل محفوسة لنعكوشة

0 قالوا رأيهم في العك اللي تحت ؟؟؟: